واقع الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية
بقلم الدكتور سمير الشاعر
جرت العادة أن تأتي الكتابات في الرقابة الشرعية ما بين الوعظ والملامة وأحياناً التشكيك، إلا أن العنوان يقربنا من الواقع الذي ينبئ بالكثير، فالرقابة الشرعية أضحت فناً علمياً له أصوله وآلياته وفنياته المتقاطعة بين أصول التدقيق العادية والمتطلبات الشرعية، كما أنها تشترط مواصفات في القائمين بها، وهو ما استشعرته المؤسسات المرجعية كهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (الأيوفي) التي أفردت شهادة توضح معالم الطريق للممارسين وتبعها في الهدف المجلس العام للبنوك الإسلامية بشهادته المصرفي الإسلامي المعتمد.
أما عن الواقع، فبيئة الرقابة الشرعية محاطة بالعديد من المديريات والموظفين أو الكوادر غير المتقنين لطبيعة التعاملات الإسلامية، فإن أبدت جهات الرقابة الداخلية ملاحظات اتهمت بعرقلة العمل وتأخير الصناعة وتقليل أرباح المصرف وغير ذلك من كيل الاتهامات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى طلبات الإدارة المبرمجة بالمفهوم التقليدي للصناعة يصوغ الأسئلة بمنطق بعيد عن نيل الموافقة الشرعية في العديد من الأحيان فتأتي إجابات الهيئات الشرعية أو ممثليها المقيمين على خلاف هوى المستفتين وخاصة في مجالات الخزينة والائتمان، ويكون نصيبها من الاتهامات قريب مما سبق.
وعلى مستوى متابعة الأعمال فقليل من الرقابة الشرعية يواكب التنفيذ، وهو ما يزيد من أخطاء الممارسة لتأتي نتائج الرقابة اللاحقة بأحكام التجنيب لأرباح العديد من الملفات، وهنا أحب أن أسجل أن الرقابة الشرعية ليس هدفها تجنيب الأرباح بل إتمام العقود بوجهها الشرعي السليم في مرحلتي التمهيد والتنفيذ للتعاقد، كون الخطأ يدخل في عصيان الله، وينبغي نشر مفهوم عدم النظر لصغر حجم العملية أو المعصية بل لعظم من نعصي هو الله عز وجل.
كما أن من واجب القائمين بالرقابة الشرعية إن أمكن لذلك طريق إعادة تصحيح العقود اتقاءً لله وليس تلافياً لتجنيب الأرباح.
والمراقب للتنفيذ الشرعي للعقود في المؤسسات يلمس الجهل المطبق في التفرقة بين طبيعة كل عقد وخطوات تنفيذه، فضلاً عن عدم انتهاج التتالي الشرعي في ترتيب الخطوات أو العقود خلال التنفيذ للملفات، ليس هذا فحسب بل نجد تقصير المنفذين يمتد لعدم شرح مضمون العقد بإيجاز للعميل بهدف تراكم المعلومة مع الأيام وزيادة الوعي بالصناعة عموماً والذي ينعكس في النهاية تطبيقاً سليماً للعقود الشرعية مع الجمهور وأمام الله.
وعن فنيات النهوض بالرقابة الشرعية، فينصح بوضع:
أولاً: السياسات والإجراءات العملية لتنفيذ الرقابة الشرعية.
ثانياً: خطة العمل السنوية المقسمة بالمهمة والمديرية والزمن، مع توضيح منهج استخدام العينات وأحجامها ومواطنها.
ثالثاً: تجهيز أوراق العمل بما يتناسب وطبيعة المهمة والصيغ الشرعية موضوع التدقيق والحد الأدنى المطلوب توافره للتحقق من شرعية العملية المنفذة.
وبتوافر هذه الأدوات نحقق ما يسمى فنياً بمتطلبات الضبط الذي ينبغي تطبيقها وممارستها على أرض الواقع، ليسجل التدقيق الخارجي النظامي أو الشرعي توافر الضبط الداخلي الشرعي في المؤسسة.
وفي منهجية التدقيق العملية، ينبغي على القائمين على هذه المهمة تنفيذ السياسات والإجراءات وفق الخطة المرسومة وبالأدوات وأوراق العمل المعتمدة، على أن تعرض نتائج الأعمال الأولية على المسؤولين في الجهات الخاضعة للتدقيق لإبداء الرأي والتوقيع عليه سلباً أو إيجاباً، وفي كثير من الأحيان تأتي التوضيحات لتزيل الكثير من التعليقات على أرض الواقع قبل تحولها لملاحظة نهائية واعتمادها في التقرير الرسمي الفصلي أو السنوي. وقد يرى البعض زيادة خطوة وهي عرض التقرير بشكله شبه النهائي كمسودة للمناقشة على المديريات المختلفة قبل اعتماده بالشكل الرسمي وتبليغه للجهات المختلفة من الهيئة الشرعية والجمعية العمومية أو مجلس الإدارة أو الإدارة العامة، فيتحقق بذلك أمرين زيادة الوعي والثقافة الشرعية داخلياً والثاني حس المسؤولية وجدية المتابعة مما يورث البيئة الشرعية مزيد استقرار وقبول.
وعلى مستوى التقرير، فلا بد أن يصدر بهدف واضح وهو الرغبة الصادقة في الإضاءة على العمليات المخالفة أو المشتبه بها لتلافيها وليس تتبع سقطات الموظفين أو الإدارات المختلفة، كما ينبغي أن يصدر التقرير بالصورة اللائقة المستوفية الشروط الفنية لتقارير التدقيق المتعارف عليها وفي تقسيم التقرير عند هيئة الأيوفي ما يغني ويفي.