سلسلة حلقات في الفكر المالي
(للنبي ﷺ، والخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز رضوان الله عليهم)
بقلم الدكتور سمير الشاعر 2014/11/11
تميز الفكر المالي من بدء الدعوة المحمدية بأنه واكب واقعها وتطور أحداثها، فقد عرف الفكر المالي الإسلامي الثبات في أحكامه الكلية وأهدافه، مع مواكبة التطور في التنفيذ والتطبيق، فكانت الطبيعة المالية صفة من صفات البيئة المعاشة، شدة ورخاء، ضيقاً وسعةً. فالطبيعة المالية لعهد النبي ﷺ اختلف باختلاف مراحل الدعوة، فما كان من ضيق قبل الهجرة، نراه أوسع بعدها. وما كان من تراجع في بداية عهد أبي بكر ”رضي الله عنه” انقلب إلى عود الأمور لنصابها بعد حروب الردة وحرب مانعي الزكاة، وما كان من محدودية في المالية استهل بها عمر بن الخطاب ”رضي الله عنه” عهده نرى الخزائن الممتلئة بالأموال في نهاية عهده، أما تفرقة الأموال التي افتتح بها عثمان ابن عفان ”رضي الله عنه” عهده واكبتها بحبوحة أودت بحياته، مما نبه خلفه علي بن أبي طالب ”رضي الله عنه” إلى العود إلى سيرة الخليفة الثاني في تداول وتناول الأموال مع الرعية، فاتخذت ذريعة جديدة في الثائرة على الخليفة الرابع رضوان الله عليه، وكانت الفتنة التي نعاني من آثارها حتى يومنا هذا.
الحلقة الأولى
الفكر المالي في عهد الرسول ﷺ
تميز عهد النبي محمد ﷺ بفترتين ظاهرتين كانت الهجرة بينهما الفيصل والنقلة من صفة المحكومين تحت سلطة قريش إلى حاكمين ثم متوسعين وناشرين للدعوة والحكم بعد الهجرة. وتظهر الطبيعة من ناحية المالية بصفتها المرتبطة بالحكم بجانب الإنفاق أكثر من مقابلها الواردات.
أولاً: فترة ما قبل الهجرة
كانت حياة النبيﷺ في مكة وبعد نزول الوحي منصرفة للدعوة إلى توحيد الله تعالى والإيمان به وترك ما يعبد من دون الله بغير حق، فلم تكن الكينونة التي تسمى سياسياً “الدولة الإسلامية ” متضحة المعاني، فقد عانى المسلمون بدعوتهم الكثير وعذب بعضهم لحملهم على ترك ما آمنوا به، وقد وصل الغي بقريش أن نفت، ولثلاث سنوات، المسلمين إلى شعاب مكة أي خارجها بعيداً عن الأهل والأسواق وأسباب الرزق، مما أدى إلى الضائقة المالية على غالبيتهم حتى من كان منهم ميسوراً قبل ذلك لحرمان غير الأقوياء بعشيرتهم، من أهلهم ومالهم تعسفاً وعدواناً من باب الضغط والمحاصرة الاقتصادية والاجتماعية. فكانت الرحمة الربانية والألفة الإسلامية فيما بينهم أغرب من أن تتصوره قريش ومن وافقها التفكير، فقد كان ذوي اليسار منهم يتيحون أموالهم لإخوانهم الفقراء وذوي الحاجة، بطيب نفس منهم، مطمئنين لوعد الله لهم بالخلف في الدنيا والآخرة، وكان من علامات رفع الحرج عن الفقراء أنهم كان يتصرفون وكأنهم يتخوضون في أموالهم. وقد كان الرسول الكريم ﷺ الأسوة الحسنة في ذلك، فما خذله صحابته ذوي اليسار من إيثار الفقراء على أنفسهم، فقد رأوا وعايشوا تصرفات النبي ﷺ المالية مما أتيح له من أموال خديجة رضوان الله عليها في إنفاقه على الفقراء ونشر الإسلام، جعلهم القدوة الحسنة التي نشطت بالمسلمين والدعوة حتى نجاحها، فلم تبخل خديجة ولم يبخلوا. فقد كان أبو بكر رضوان الله عليه قد جمع من التجارة أربعين ألف درهم قبل إسلامه، ومع أنه تابع تجارته بعد إسلامه وكان يجني منها الربح الوفير، هاجر ولا يملك من المال إلا خمسة آلاف درهم، وأنفق عثمان ”رضي الله عنه” لخير المسلمين صدقات يخطؤها العد، وقد كان المسلمون يعتبرون أموالهم ملكاً مشتركاً بينهم جميعاً، فقد هاجر عامة المنفقون ابتغاء مرضاة الله إلى المدينة وليس معهم من ثرواتهم إلا القليل منها[1].
ولم يكن لمجموع المسلمين في مكة قبل الهجرة نظام مالي له أبوابه المحددة في الواردات أو النفقات، كما أنه لم يكن هناك بيت مال، وبالأدق لم تكن هناك حاجة لوجوده أو حتى التفكير في إنشائه. فالإنفاق الضروري لإشباع الحاجات العامة كان ينهض بها النبي ﷺ وذوي اليسار تطوعاً وإيماناً واحتساباً لوجه الله تعالى عملاً بما تمليه عليهم عقيدة الإسلام.
فلم يكن للأموال تعيين يحاكي منطق الواردات والنفقات المعتمد في منهجيات تصنيف الأموال وفق المالية العامة المعروفة اليوم، بل رصدت الأموال للقيام بما يعتري جماعة المسلمين في مجموعها أو أفرادها من نوائب وكانوا يسدون الحاجة عند عروضها بما يبذل أهل ذوي الفضل أو القناعة بما لديهم حتى يكفوا أهل الحاجة حاجتهم كما اشترى أبو بكر الصديق بلال وعامر أبو بهيرة وخمس إماء ليخلصهم من تعذيب المشركين لهم لإسلامهم، وكان المسلمون يطعمون المساكين واليتامى منهم والمحبوسين في عذاب المشركين، وقد وصف الله الأبرار بقوله تعالى “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا”[2]، كما حذر من الإمساك عن ذلك في سياق حالة الكفار “قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ”[3]، ثم سمى ذلك حقاً عليهم فقال تعالى “وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ”[4]، وقال تعالى: “الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ، وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ”[5]، فسماه حقاً ووصفه بأنه معلوم أي مقرر بينهم، وقد أطلق على ذلك اسم الزكاة وكانت قبل فرض الزكاة المعروفة شرعاً بعد الهجرة. وقد قال في ذم المشركين بما يخالف صفة المؤمنين “وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ”[6]، وهذا في القرآن المكي، فلما كثر وتزايد المسلمون في مكة فرض الله على أهل الأموال من الأعناب والتمر صدقة يعطونها للمحتاجين بقوله تعالى “وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ”[7]، وهي من آخر ما نزل بمكة، ولقلة عدد المسلمين جملة لم تكن الإحاطة والعلم بالمحتاجين منهم عسرة على التصدق[8].
وفي الجانب التقني، لم يكن في مكة قبل الهجرة ميزانية للمسلمين حيث لم تكن دولتهم قد نظمت بعد، ولم تقدر لها أبواب الإيرادات ولم تتعين لها أيضاً النفقات، وما كان يطرأ من حاجات جماعية كان يتم إشباعها من أموال المسلمين القادرين حسبة وتطوعاً وإيثاراً.
ثانياً: بعد الهجرة إلى المدينة
تعرف هذه الفترة عند المختصين بأنها بداية الدولة الإسلامية، لتوافر عامل الأرض ووحدة القرار على صعيد إدارة المدينة المنورة، وإعداد وتوجيه الجيوش منها والعودة إليها، فإن اتفقنا أو اختلفنا على الألفاظ السياسية المعتمدة اليوم لناحية لفظة الدولة الإسلامية أو الحكومة الإسلامية، نرى أن الأمر لا يغير من واقع المدينة التي أضحت مهد الدعوة المحمدية إلى أن توفى الله نبينا محمدﷺ، والفترة القصيرة التي تلتها.
بعد هجرة النبي ﷺ وأصحابه إلى المدينة المنورة، سرعان ما استقر سلطان المسلمين فيها وآل الأمر فيها إلى رسول الله ﷺ، وكان أول ما فعله الرسول أن آخى بين المهاجرين والأنصار، وسجل الأنصار صوراً من الصدق تروى وكأنها من الأحلام، فقد عرضوا على أخوانهم المهاجرين مشاركتهم أموالهم ودورهم وغير ذلك، إلا أن المهاجرين قدروا لإخوانهم في الدين صنيعهم وآثروا بذل الجهد وإعادة بناء أوضاعهم المالية والاجتماعية بشكل مستقل، وكانت حفاوة احتضان الأنصار لهم أعانتهم وهيأت لهم من البيئة والظروف ما لم يجدوه في موطنهم الأصلي مكة، أما من كان فقيراً منهم ولم يجد ما يعيل به نفسه أو يقتني به داراً، فلم يتركوهم وأعانوهم، وقد اشتهر اسم الفقراء من المهاجرين “بأهل الصُفة” وقد بنى لهم رسول الله ﷺ موضعاً ملاصقاً لمسجده ﷺ، وجعل الله لهم مورداً خاصاً[9] على ما ذكر بعض المفسرين مأخوذٌ من قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”[10]، كون مالية المسلمين في تلك الفترة لم يكن لها رصيد ينفق منه على أهل الحاجة أو غيرهم، فكانت عطايا الأنصار وما جاء بعدها قوام حاجة المسلمين يومئذ، وكان يعتبرونها واجبة عليهم، وبقي المسلمون في ضائقة مالية زمناً، تعاون فيها الأنصار وتقاسموا ثمرات نخيلهم مع المهاجرين والفقراء ممن تركوا أموالهم بمكة ووصفهم الله بقوله ” لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا”[11]، وقد وصف الله الأنصار وفعالهم بقوله ” وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”[12].
هذه البداية الطيبة في المدينة وبناء المسجد النبوي وما رافق ذلك من أجواء، هيئ البيئة لتبلور صورة الدولة الإسلامية بعد توافر الكيان الروحي والمادي لها، وهو المنطق الذي يميزها عن أي تنظيم أو كيان حكومي وضعي آخر[13].
وكان من الطبيعي أن تنظم أحكام الشريعة الإسلامية القواعد والأسس لشؤون هذه الدولة في مختلف نواحيها فبالنسبة للنظام المالي بينت الشريعة الإسلامية موارد الدولة ونظمت الاستخدامات وحددت مصارف بعض هذه الموارد على وجه لم يسبقها فيه تشريع، ويمكن تقسيم الموارد بمسميات اليوم إلى:
1- إيرادات الدولة السيادية.
2- ممتلكات الدولة.
1- إيرادات الدولة السيادية.
وقد توزعت على أربعة موارد وهي:
– المورد الأول: الزكاة
فرض الله الزكاة على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، وبين مصارفها الشرعية[14]، أي أوجه إنفاقها، وذلك في قوله تعالى ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”[15]، وبينت السنة الأموال التي تجب فيها الزكاة ومقدار النصاب والواجب فيه والشروط الواجب توافرها في المزكي وفي المال نفسه. والتحديد القرآني لمصارف الزكاة يعتبر أول تبويب لجزء من أنواع الإنفاق العام لتلبية حاجات الدولة والمجتمع، وكانت الزكاة أول الموارد السيادية.
– المورد الثاني: الغنائم
وهو المورد المشار إليه في قوله تعالى ” وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ”[16].
– المورد الثالث: الفيء
وقد بينه الله تعالى في قوله ” وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”[17]
– المورد الرابع (الناشئ): الجزية
وهو المورد المستوفي من غير المسلمين وفق قوله تعالى ” قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ”[18].
2- ممتلكات الدولة (الدومين العام)
امتلك المسلمون كجماعة ودولة، بعض الموارد الاقتصادية ومنها: أرض البقيع التي حماها رسول الله ﷺ لرعي خيل المسلمين، خارج نطاق الملكية الخاصة. وقد عرف الإقطاع (التمليك) على عهد الرسول ﷺ وفي نطاق ضيق[19].
ويجد الباحث أنه بعد الهجرة إلى المدينة نزلت آيات القرآن الكريم تحدد مصادر تمويل نفقات الدولة وأبواب هذه النفقات، وتولى الرسول ﷺ بيان المقادير والتفاصيل التي لم ترد بالآيات الكريمة. واتضحت عند ذلك إيرادات الدولة الإسلامية المرتكزة إلى سيادتها وتلك المرتكزة إلى أملاكها أو نشاطها الاقتصادي[20].
وظهر الهدف الأساسي في النظام المالي وجل الموارد، بتغطية النواحي الاجتماعية ومتطلبات الدفاع عن الدولة الجديدة. ولكن في هذه المرحلة كانت الإيرادات المحصلة لا تكفي الحاجات المجتمعية الحالة، وتغلب الرسول ﷺعلى جزء من مشكلة العجز الحاصل بفكرة مبدعة وغير مسبوقة عبر استعجال جزء من المورد السيادي الأول “الزكاة”، فقد استعجل من عمه العباس زكاة سنتين[21].
الحقائق المالية المميزة لهذه الفترة:
– الحقيقة الأولى: دولة من غير رواتب ثابتة أو أجور منتظمة، بل كان لكل عمل أجرة، فعامل الزكاة له سهم فيها، وكان المحاربون في الغزوات والمعارك لهم نصيبهم (ولفرسهم) في الغنائم[22] إن وجدت، وإلا فلا ترتيبات مالية على الدولة، فكان الخارجون للجهاد في سبيل يتحركون إلا ابتغاء مرضاة الله عز وجل.
– الحقيقة الثانية: أن مال الأغنياء من المسلمين كان يعتبر حصيلة لنشر الدعوة الإسلامية وكان رسول الله ﷺ يحض أهل الغنى على النفقة والحملان (تجهيز المحاربين) في سبيل الله، وطالما فعل أغنياء المسلمين ذلك، فلم تكن الحاجة إلى إيجاد بيت مال في عهد رسول الله ﷺ يحتجز فيه جزء من المال لمقابلة الطوارئ في الوقت الذي كان فيه المسلمين أحوج لهذه الأموال.
بعد هذا الواقع المالي وهذه الحقائق لم تكن للدولة الإسلامية موازنة تعرض الموارد والنفقات، متبوعة بآليات تحصيل الموارد وخطط إنفاقها، أو خطط الاقتراض بضمانة بيت المال أو سواه. فكان للنظام المالي الإسلامي هويته المتفردة عما اشتهر من أنظمة مالية عالمية. وأكثر مبادئ هذا النظام قواعده الكلية الحاكمة، المقرة في كتاب الله والموضحة في سنة رسوله الكريم ﷺ، وأهم هذه المعالم:
o نظام الإنفاق (العام) المحقق التوازن الاجتماعي.
o تنوع موارد الدولة.
o تنوع الإنفاق (العام) بتنوع حاجات الدولة الفتية الناشئة.
o عدم وجود فائض كاحتياطي عام للدولة في ذلك الحين.
o تحصيل الإيرادات أولاً ثم إنفاقها في مصارفها الشرعية، وهو ما ينافي قاعدة أولوية النفقة المطبقة حديثاً.
o لم يؤخذ “بقاعدة وحدة الموازنة” وبالتالي لا وحدة للمال العام، وقد خصص الإسلام لكل نوع من الإيرادات مصارف معينة، وإن مولت بعض النفقات من أكثر من مورد.
________________________________________
[1] د. محمد حسين هيكل، الحكومة الإسلامية، دار المعارف، ط7، ص72-73، بتصرف.
[2] سورة الإنسان، الآية 8.
[3] سورة المدثر، الآيات 43-44.
[4] سورة الذاريات، الآية 19.
[5] سورة المعارج، الآيات 23-25.
[6] سورة فصلت، الآيات 6-7.
[7] سورة الأنعام، الآية 141.
[8] الإمام محمد عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الشركة التونسية للتوزيع، 1976م، ص192-193، بتصرف.
[9] الإمام محمد ابن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الشركة التونسية للتوزيع، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط2،1985م، ص193.
[10] سورة المجادلة، الآية 12.
[11] سورة الحشر، الآية 8.
[12] سورة الحشر، الآية 9.
[13] د. محمد عبد الله العربي، النظم الإسلامية، ج2، ص11-12، بتصرف.
[14] محمد الطاهر بن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ص194.
[15] سورة التوبة، الآية 60.
[16] سورة الأنفال، الآية 41.
[17] سورة الحشر، الآيتين 6-7.
[18] سورة التوبة، الآية 29.
[19] محمد عبد المطلب أحمد،النظام الاقتصادي في الإسلام، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، العدد47، ص93، بتصرف.
[20] د. محمود محمد نور، تحليل النظام المالي في الإسلام، دراسات في الإسلام، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، العدد 177، 1975م، ص22، بتصرف.
[21] أبو عبيد، كتاب الأموال، تحقيق وتعليق محمد خليل هراس، مكتبة الكليات الأزهرية، 1969م، ص777.
[22] الكتاني، عبد الحي، نظام الحكومة النبوية المسمى بالتراتيب الإدارية، الناشر حسن جعنا، بيروت،د.ط، د.ت، ج1، ص224.