بقلم الدكتور سمير الشاعر
البنك السحابة “The cloud Bank” ومنها المصارف الإسلامية
إن المراقب لعناوين الدراسات والأبحاث المستجدة في العقدين الأخيرين وعناوينهما الملفتة مالياً واقتصادياً، كان يمكن إعتبارها عادية وتسير في سياق التطور النظامي للأمور، غير أن سرعة التغيرات والتحديثات التي تُدخل على كثير من الفنيات والضوابط المعمول بها يوحي بخلاف ذلك، وكان للأحداث المالية الأخيرة، خاصة أزمة 2008 وما تلاها، الفضل الضاغط في جل هذه التعديلات، فلم تعدد تعديلات بازل أو تعمق بحوث المخاطر أو الحوكمة أو تزداد الحديث عن النقود الإلكترونية بوتيرة أسرع فقط، بل أن الحديث العلمي استطال، ليتناول المفاهيم القائمة المستقرة، فاليوم زاد الحديث عن إعادة النظر بمفهوم الدولة وكثير من مفاهيم الاقتصاد الأساسية أو تلك المصنفة محلياً أو إقليماً وحتى عالمياً، كيف لا ومفهوم الحدود المتوارث نراه اليوم في مهب السحابات الإلكترونية والفضائات المحكومة بدقة غير عادية.
وقد مهد لذلك وهيئ له، البنية الصالحة للكثير من المستحدثات غير المجهولة لنا، بل نرى العديد منها ونعايشه عند أطراف أصابعنا، فتطبيقات سبر أغوار الفضاء، مسح الأرض، التنبؤ بالطقس، الفحص الطبي، حرق الوحدات الحرارية، عدد خطواتك اليومية، تخيل هيئتك المستقبلية وفق السن الذي ترغب، متابعة البورصات والشاشات العالمية، التنبؤات المالية والإقتصادية، وغيرها بأوسع من أن أحصيه.
كل ما سبق وما يستجد يومياً، يدعو الفنيّن والمختصين في كل مجال إلى إعادة النظر بالكثير من القائم، فكما استعيض عن الجراحة الضخمة في القلب المفتوح بمنظار بسيط يؤدي مختلف أو جل العمليات دون جراحة، فإن الوعد القريب أن المعالجة عامة ستكون من خارج الجسد دون تدخل جراحي، بل وأتحفونا أنهم يمكنهم التدخل في تعديل الجينات تلافياً للعديد من الأمراض.
هذا التمثيل للإمكانات القادمة يفرض على أهل المال والاقتصاد التنبه والتحضر علمياً وتقنياً وفنياً للقادم والمتوقع أن يكون بأوسع من تخيلاتنا اليوم، والمصارف سيكون لها النصيب الأوفر من التعديلات، إن على مستوى:
- وجود البنك الحالي مكانياً لصالح السحابة البنكية،
- أو الهيكليات الإدارية القائمة لصالح تقسيمات ومستويات إدارية مختلفة،
- أو المسميات المهنية (مجلس الإدارة، الهيئة الشرعية،…) لمسميات تواكب فضائية العمل،
- أو السياسات والإجراءات المضبوطة بالمؤسسة والدولة إلى الفضاء البنكي،
- والتوصيف الوظيفي المجرد المتوافق والسحابة البنكية،
- وصولاً للمهمة التي كانت موكولة لشخص محدد لتكون مجرد مواصفات متاحة لمن ينجزها دون تقيد بمكان أو زمان.
وبالنزول تفصيلاً يمكننا أن نتخيل مجموعة من التحديات التي لا بد من مواجهتها، وسنجد مثلاً:
- أن العقود وأطرافها وطبيعتها ستواكب التغييرات والتعديلات، وستظهر للمصارف عموماً والمصارف الإسلامية خصوصاً، تحديات مستجدة على مستوى الأحكام الشرعية وآليات تنفيذها ووفق أي ضوابط.
- أن النقود القادمة قد لا تكون على تكييف النقود القائم اليوم، وقد تتخذ طبيعة جديدة غير المتوارثة في كتب الإقتصاد والفقة، وإن حصل هذا: فهل ستجري فيها أحام الربا المستقرة اليوم؟
- أن الربا إذا لم ينطبق عليها (فرضاً) فهل من داعي لكثير من عقود المالية الإسلامية.
- أن الكثير من المهمات الرقابية والتنفيذية ستتغير بالآليات والأهداف.
أما مواجهة التحديات السابقة، فلا تكون إلا بالجهد والتحضير للموارد المادية والبشرية والبيئة التشريعية والتنظيمية، فضلاً عن تهيئة الجمهور والمشاركة في توعيته وخاصة في ما خص المالية والمصارف الإسلامية.
وللتقريب ننظر تعريف وخدمات سحابة إلكترونية تسمى:
الحوسبة السحابية (Cloud computing) هي مصطلح يشير إلى المصادر والأنظمة الحاسوبية المتوافرة تحت الطلب عبر الشبكة والتي تستطيع توفير عدد من الخدمات الحاسوبية المتكاملة دون التقيد بالموارد المحلية بهدف التيسير على المستخدم، وتشمل تلك الموارد مساحة لتخزين البيانات والنسخ الاحتياطي والمزامنة الذاتية، كما تشمل قدرات معالجة برمجية وجدولة للمهام ودفع البريد الإلكتروني والطباعة عن بعد، ويستطيع المستخدم عند اتصاله بالشبكة التحكم في هذه الموارد عن طريق واجهة برمجية بسيطة تُبَسِّطُ وتتجاهل الكثير من التفاصيل والعمليات الداخلية.
المصدر ويكيبيديا
هذا على صعيد الخدمات العادية والمحدودة للشركات صغيرها وكبيرها، وأضحت بديل للكثير من أماكن التخزين والعمل، فتوفر على الشركات المخازن والمكاتب أي الاستثمار العقاري وملحقاته، وبديل عن العديد من نظم الإدارة والأمن المعتمدة في الشركات، فضلاً عن كثير من خدمات السكرتاريا والخدمات الداخلية، ولم تتوقف الشركات الطامحة للإستخام الأمثل لمثل هذه السُحب من طلب العديد من الخدمات الأخرى التنظيمة والإدارية والرقابية والتقيمية والتجسسية أحياناً عن الموظفين أماكنهم أعمالهم وغيرها.
ليس هذا فحسب، فالعمل الحثيث قائم على تشفير Coding”” مختلف تعاملات البشر، بحيث تنضبط الواردات والنفقات إلكترونياً، مما يسهل معه التعامل السريع والفوري مع المتعاملين المشفرين بختلف معلوماتهم وتعاملاتهم، وإذا غلب موضوع النقود الإلكترونية مع نجاح التشفير سنرى تحولات جذرية في تعاملات وإنتماءات الزبائن والعملاء، فالتوجه لإعادة رسم العالم ووضع حدود له غير المستقرة اليوم، ولا يستبعد من أن تمتلك العلم المجموعات المالية العملاقة، وهذا له سوابق فبنظرة سريعة نرى كم شركة عالمية:
- تؤمن لنا خدمة البحث في وعبر الإنترنت؟
- تحكم سوق تصنيع الهاتف المحمول؟
- تغطي تصنيع السيارات التي نقود؟
- تقرر وتصنع الطائرات التي نستخدمها؟
- وأنظر البورصات.
- وأنظر السينما.
- ……..
وعليه فمآلات الأمور وإن كانت خيالية اليوم عند البعض فهي الواقع قريباً، والمصارف وآلياتها ستكون إحدى مفرداتها، كيف لا والنمطية تحكم جل أعمالها وتقريباً مختلف أعمالها، والأصل السليم للتحول الإلكتروني التنميط، وهو ممكن ومتاح في مختلف الخدمات المصرفية، إلا بظروف محدودة وخاصة، سواء في بنوك الإستثمار والمصارف الإسلامية في حالات محددة.
هذا التحدي الخطير سيترك بنوكنا في مهب البحث عن مكان لها في إحدى السحابات البنكية، وبغير شروطنا. والمباشر من التسؤولات أمام المصارف الإسلامية:
- ما العمل المطلوب إعداده لإستقرار العقود والمعاملات؟
- كيف السبيل للتعامل والتعاقد المشفر؟
- ما هي الآليات الفقهية للمستجد الملحق بالعقود المنمطة؟
- ما هي صورة مجلس الإدارة؟
- ما هي صورة لجان مجلس الإدارة؟
- ما هي صورة الهيئة الشرعية؟
- ما آلية الفتوى للحالات الخاصة ذات الطبيعة المتشابكة لغة وصناعة ومكاناً وتمويل مجمع؟
- ما طبيعة التدقيق الداخلي التقليدي أو الداخلي الشرعي؟
- ما طبيعة البرامج الإلكترونية المتحكمة وإنضباطها الشرعي ومركبات معادلات الأرباح؟
- وأسئلة عديدة ستفرضها الممارسة.
التقديم الآنف وتحدياته، ما ذكر منها وما يستشف، هدفه الدعوة لمواكبة أو مجاراة القادم من التقدم والتغيير والتطور وعليه: فهل نحن على استعداد لملاقاة هذه النقلة؟
على مستوى:
– المعايير الفنية والشرعية.
– أحكام النقود الإلكترونية، وهل يجري فيها الربا.
– التعليم والمقررات الدراسية والأكاديمية.
– التدريب للكفاءات الموجودة والمستجدة.
– إعداد المتخصصين الفقهين والفنيين.
– تهيئة الجمهور للصورة الجديدة من الصناعة المالية الإسلامية.
– فتح أسواق جديدة خارج مجتمعاتنا تغطيهم السحابة.
– إعادة النظر بالعقود والخروج من المحلية للإقليمية والعالمية.
– التعامل الإلكتروني البحت ووفق التطبيقات، كالتي على هواتفنا اليوم.
بعد تصور الإنتقال، الواقع القادم يتطلب من المسؤولين والمهتمين والمثقفين والكفاءت المختلفة البناء والإستعداد له تلافياً من التصادم أو الإبتلاع إن لم نقل الإلغاء لنا ولتعاملاتنا، فلا الأساليب القائمة في مختلف أعمالنا اليوم تصلح ولا كوادرنا تهيء لمواكبة التطورات الإلكترونية بعلومها وفنونها ومعاهدها، وأيضاً آثار كل ذلك على الإنضباط الشرعي.